كيف سيؤثر المشاهير في السباق الرئاسي الأمريكي

في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الحالية لعام 2024، يلعب دعم المشاهير دورًا بارزًا وحاسمًا في تشكيل آراء الناخبين، حيث تُعد وسائل التواصل الاجتماعي السلاح الأقوى لزيادة تأثيرهم. هذه الظاهرة ليست جديدة في السياسة الأمريكية؛ إذ اعتاد العديد من المشاهير، منذ عقود، على تقديم دعمهم للمرشحين، مُستغلين شعبيةً واسعةً للوصول إلى جماهير متباينة الأعمار والخلفيات. وبالرغم من أن هذا النوع من الدعم كان له تأثير متواضع نسبيًا في الماضي، إلا أن تطور وسائل التواصل الاجتماعي قد أضاف بُعدًا جديدًا وحيويًا على تأثيرهم في الحملة الانتخابية.

وتحظى المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس بدعم ملحوظ من مجموعة من الشخصيات الفنية الشهيرة والمؤثرة، مثل المغنية تايلور سويفت، التي تمتلك قاعدة جماهيرية ضخمة وخاصة بين الشباب. وتعتبر سويفت من أبرز المدافعين عن قضايا العدالة الاجتماعية والمساواة، وهو ما جعل دعمها لهاريس ذا تأثير قوي. يعمل هذا الدعم على تحفيز الشباب للتصويت، خصوصًا بين الفئات التي لم تشارك بشكل فعّال في الانتخابات السابقة، ما يزيد من نسبة التفاعل حول القضايا التي تدافع عنها هاريس.إضافة إلى سويفت، انضم المغنيان ليزو وآشر لقائمة المشاهير الداعمين لهاريس، حيث نظما مهرجانات وحفلات لدعم حملتها الانتخابية في ولايات مهمة مثل ميشيغان وجورجيا. من خلال هذا النوع من الفعاليات، تبرز هاريس كمرشحة تهتم بالقضايا الاجتماعية والثقافية التي تعني الكثير لقاعدتها الجماهيرية، بما فيها العدالة البيئية والمساواة العرقية.

وعلى الجانب الآخر، يتلقى المرشح الجمهوري دونالد ترامب دعمًا من شخصيات بارزة في مجالي الأعمال والإعلام، على رأسهم إيلون ماسك. يعتبر ماسك، المؤثر بشدة في مجال التكنولوجيا وريادة الأعمال، من الشخصيات التي تحظى بتقدير كبير بين فئة معينة من الناخبين، خصوصًا أولئك الذين يدعمون السياسات الاقتصادية القائمة على تحرير السوق ودعم ريادة الأعمال. دعم ماسك لترامب يأتي برسالة واضحة للناخبين المحافظين، وهي أن ترامب قادر على تعزيز البيئة المناسبة لنمو الاقتصاد والمشاريع التجارية.

ينعكس تأثير دعم ماسك أيضًا من خلال تواجده الكبير على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يمتلك قاعدة جماهيرية واسعة، تتأثر بتوجهاته وآرائه السياسية. يتخذ ماسك من بنسلفانيا مقرًا لتجمعات داعمة لترامب، مما يشير إلى تأثير هذا الدعم في ولايات يُنظر إليها باعتبارها “ولايات حاسمة”، حيث تُعتبر أصوات الناخبين غير مستقرة، وقد تتأرجح بسهولة بين الحزبين.

من جانبهم يشير المحللون السياسيون إلى أن تأثير المشاهير قد يكون حاسمًا في هذه الانتخابات، خاصةً مع التقارب الشديد بين المرشحين. يميل المشاهير إلى التركيز على مواضيع تهم الناخبين الشباب، والذين غالبًا ما يكونون أقل اهتمامًا بالمشاركة الانتخابية. وبالتالي، فإن دعم شخصيات معروفة يساعد في إلهام الشباب للمشاركة، ويُعزّز من وعيهم السياسي، وقد يساهم ذلك في تغيير النتائج في ولايات حاسمة.

على سبيل المثال، يشهد تجمع هاريس في ديترويت بولاية ميشيغان دعمًا كبيرًا من نجوم الفن والموسيقى، الذين يركزون على قضايا هامة كالتغير المناخي وحقوق الأقليات. هذه القضايا تعتبر محورية لدى قاعدة واسعة من الناخبين الشباب، وتساهم في تسليط الضوء على ما تمثله هاريس. على النقيض، يجذب ترامب دعم رجال الأعمال والمستثمرين من أمثال ماسك، ما يجذب الناخبين الذين يهتمون بالقضايا الاقتصادية والاستقرار المالي.

وتجدر الإشارة انه و مع ازدياد اعتماد الحملات الانتخابية على دعم المشاهير، ظهرت تساؤلات وانتقادات حول مدى ملاءمة تأثيرهم على الناخبين. يرى بعض النقاد أن المشاهير، بصفتهم شخصيات عامة، قد يسهمون في تحويل الانتخابات إلى منافسة حول “التأثير الثقافي” بدلًا من التركيز على البرامج الانتخابية. قد يؤدي هذا النوع من الدعم إلى تهميش القضايا الرئيسية، مما يجعل الانتخابات تدور حول الشخصيات بدلاً من السياسات.

ومع ذلك، هناك من يرى في دعم المشاهير وسيلة فعّالة لتعزيز المشاركة الديمقراطية، خاصةً مع تراجع ثقة الناخبين في الأحزاب السياسية التقليدية. المشاهير يُمثلون، بالنسبة للبعض، نماذج يحتذى بها، ويعتبر دعمهم بمثابة دفع نحو تغيير إيجابي في المجتمع. لكن تظل هذه الجدلية قائمة بين من يعتبر المشاهير جزءًا من النظام الإعلامي، ومن يرى فيهم قوة مؤثرة تساهم في تشكيل الرأي العام.

ومعلوم أن بعض الولايات الأمريكية تشهد ما يعرف بولايات التأرجح (Swing States) تأثيرًا مباشرًا من دعم المشاهير. ففي هذه الولايات، حيث لا يوجد انحياز ثابت لأي من الحزبين، يكتسب دعم المشاهير أهمية كبيرة في التأثير على الناخبين. فمثلاً، نظّم ماسك تجمعات داعمة لترامب في ولاية بنسلفانيا، وهي من الولايات التي قد تُحدث فرقًا كبيرًا في النتائج النهائية للانتخابات. في المقابل، تستفيد هاريس من دعم المشاهير في ولايات أخرى مثل جورجيا، حيث يظهر تأثير دعم المشاهير على الفئات الشابة والمتنوعة التي تتأثر بالقضايا الاجتماعية والثقافية.

وفي الختام  يمكن استنتاج أن دعم المشاهير في الانتخابات الأمريكية لعام 2024 له دور كبير في تشكيل الرأي العام، وجذب فئات عمرية جديدة للمشاركة في التصويت. وبغض النظر عن تأثير هذا الدعم على نتيجة الانتخابات، فإن المشاهير باتوا يشكلون قوة لا يُستهان بها في العملية الانتخابية. هذا التحول في دورهم سيستمر في التأثير على الانتخابات المستقبلية، مما يجعلهم أحد العوامل المحورية التي تأخذها الحملات الانتخابية بعين الاعتبار.