حينما أهدى السلطان المغربي عبد الرحمن بن هشام أسدين للرئيس الأمريكي فان بيورين

في عام 1839، وفي خطوة فريدة من نوعها في تاريخ العلاقات الدبلوماسية، قدم السلطان المغربي عبد الرحمن بن هشام هدية غير مألوفة للرئيس الأمريكي الثامن، مارتن فان بيورين. كانت الهدية عبارة عن أسد ولبؤة، أُرسلت إلى القنصلية الأمريكية في طنجة، في الوقت الذي كانت فيه العلاقات بين الولايات المتحدة والمغرب لا تزال حديثة العهد، بعد إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين في بداية القرن التاسع عشر.
هدية تسبب أزمة دبلوماسية
أثارت هذه الهدية، رغم طابعها الودي، أزمة دبلوماسية غير متوقعة. فالقانون الأمريكي، الذي يحدده الكونغرس، يمنع الرؤساء والمسؤولين الحكوميين من قبول هدايا ثمينة من دول أخرى، وذلك لمنع أي تأثير خارجي على السياسات الأمريكية. وهكذا، وجد القنصل الأمريكي في طنجة، توماس كار، نفسه في موقف محرج، حيث كان ملزماً برفض الهدية تطبيقاً للقانون.
ورغم محاولات كار المستميتة لإقناع الوفد المغربي بعدم قبول الهدية، إلا أن وفد السلطان أصر على تقديمها، مبررين أن الأسد واللبؤة هما هدية للرئيس الأمريكي، وليس للقنصل شخصياً، مما يعني أن قبولها أو رفضها ليس من صلاحيات القنصل. كما كان الوفد يخشى من غضب السلطان إذا عادت الهدية، ما قد يصل إلى عقوبات قاسية قد تطال حياتهم.
مراوغات دبلوماسية ومواقف حرجة
تضمن تبادل الحجج بين القنصل الأمريكي ووفد السلطان سلسلة من الحوارات الطريفة، حيث قال القنصل كار إن القانون الأمريكي لا يسمح للرئيس بقبول الهدية، فأجابه الوفد بأن السلطان على علم بالقوانين الأمريكية، وأنه يتوقع احترام الهدية كإشارة تقدير. وعندما ردّ القنصل بأن الكونغرس هو من وضع هذا القانون، ردّ قائد الوفد المغربي قائلاً: “إذن، هذه الهدية للشعب الأمريكي“.
أجبر القنصل في نهاية المطاف على قبول الأسود، إلا أن الأمر لم يكن بهذه البساطة. فقد تطلب العناية بهذين الحيوانين مصاريف كبيرة، إذ كانا بحاجة إلى كميات كبيرة من اللحوم يومياً، مما وضع القنصلية في مأزق مالي وتدبيري غير مسبوق.
تدخل البيت الأبيض وحل الأزمة
بعد أن فشل القنصل كار في إيجاد حل للأزمة مع الوفد المغربي، قرر اللجوء إلى الحكومة الأمريكية للحصول على توجيهات رسمية. وصلت الردود من البيت الأبيض، عبر رسالة من وزيرة الخارجية الأمريكية، التي سمحت للقنصل بشحن الحيوانات إلى الولايات المتحدة، سواء عبر سفينة حكومية أو سفينة تجارية.
وفي عام 1840، تم نقل الأسود من المغرب إلى ولاية بنسلفانيا الأمريكية. هناك، قرر الكونغرس منح الرئيس فان بيورين إذنًا ببيع الهدية في مزاد علني، نظراً لصعوبة الاحتفاظ بها ورعايتها. وفي النهاية، تم بيع الأسد واللبؤة في فيلادلفيا مقابل 375 دولاراً، وهو مبلغ يعتبر كبيراً نسبياً في ذلك الوقت.
الرمزية الدبلوماسية والهدايا بين الأمم
تحمل هذه القصة طابعاً طريفاً ومثيراً، وتعتبر من الأمثلة التاريخية النادرة على استخدام الحيوانات كهدايا دبلوماسية. كانت الهدايا بين الدول في القرون السابقة غالباً رموزاً للتقدير والاحترام، واختار السلطان المغربي في ذلك الوقت الأسد واللبؤة كرمز للقوة والعزة، وهي صفات كان يرغب في نقلها إلى الطرف الآخر من العالم في الولايات المتحدة.
ووفقًا لمقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست”، فإن هذا الحدث يُظهر جانباً طريفاً من العلاقات الدبلوماسية الأمريكية-المغربية في القرن التاسع عشر، ويبرز احترام المغرب لتقاليد الكرم والضيافة، حتى في علاقاته الدولية. كما يعكس الحدث التعقيدات التي يمكن أن تنشأ من اختلاف الثقافات والقوانين، حيث تفاعل المغرب والولايات المتحدة مع مواقف غير مألوفة لهما، ليكون ذلك دليلاً على كيفية تجاوز التحديات الدبلوماسية بأسلوب يحافظ على الاحترام المتبادل.
إضاءات إضافية
أظهرت هذه القصة كيفية التفاعل بين الثقافات المختلفة والتحديات التي قد تنشأ من اختلاف العادات والتقاليد بين الدول. فرغم قانونية رفض الهدية وفقًا للقوانين الأمريكية، إلا أن وفد السلطان المغربي نظر إلى الهدية كجزء من الطقوس الدبلوماسية التي تعبر عن الاحترام، وتوقع معاملة مماثلة من الطرف الأمريكي.
تظل هذه القصة شاهداً على عمق العلاقات التاريخية بين المغرب والولايات المتحدة، وتعد من أوائل الأمثلة على تبادل الهدايا الرمزية بين زعيم عربي ورئيس أمريكي.
Comments 0