الشبكة
EN
الرئيسيةأمريكاالعلاقات المغربية الأمريكية: أقدم شراكة دبلوماسية وأطول معاهدة مستمرة

العلاقات المغربية الأمريكية: أقدم شراكة دبلوماسية وأطول معاهدة مستمرة

 

تعتبر العلاقات بين المملكة المغربية والولايات المتحدة الأمريكية من أقدم العلاقات الدبلوماسية التي عرفها العالم الحديث. بدأت هذه العلاقات في 20 ديسمبر 1777، عندما أصبحت المملكة المغربية أول دولة في العالم تعترف رسميًا بالولايات المتحدة الناشئة كدولة ذات سيادة. جاء هذا الاعتراف في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله، الذي أعرب عن دعمه للدولة الجديدة عبر مرسوم رسمي يسمح للسفن الأمريكية بالتجارة في الموانئ المغربية. هذا الاعتراف المبكر من المغرب وضع حجر الأساس لعلاقات دبلوماسية وتجارية طويلة الأمد بين البلدين.

وفي عام 1787، وبعد سنوات من التعاون غير الرسمي، وقع البلدان معاهدة السلام والصداقة، وهي المعاهدة الأطول في تاريخ الولايات المتحدة والتي لا تزال سارية المفعول حتى يومنا هذا. هذه المعاهدة شكّلت أساسًا للتعاون بين البلدين على مختلف الأصعدة، وأدت إلى تعزيز العلاقات التجارية والدبلوماسية بينهما. وتُعتبر مدينة طنجة المغربية ذات أهمية خاصة في هذه العلاقة، حيث استضافت أول مقر دبلوماسي أمريكي خارج الولايات المتحدة، والذي تحول لاحقًا إلى متحف يُعد معلمة تاريخية فريدة، ويظل رمزًا للتعاون الدبلوماسي بين البلدين.

أزمة السفن والاحتجاز الدبلوماسي

مع توسع العلاقات بين البلدين، شهدت فترة ما بعد الاستقلال الأمريكي بعض التوترات البسيطة. في عام 1784، وفي ظل غياب اتفاقية رسمية بين الولايات المتحدة والمغرب، اتخذت السلطات المغربية إجراءات صارمة ضد السفن الأمريكية التي كانت تمارس التجارة في المياه المغربية دون دفع الرسوم المقررة. قامت البحرية المغربية حينها باحتجاز سفينة أمريكية كبيرة كوسيلة ضغط على الولايات المتحدة لتوقيع اتفاقية رسمية. وقد ساهم هذا الحادث في تسريع المفاوضات، وفي عام 1786 تم التوقيع على معاهدة الصداقة والسلام، التي لا تزال إحدى أقدم الاتفاقيات التي أبرمتها الولايات المتحدة مع أي دولة أخرى.

عندما تولى السلطان مولاي سليمان الحكم بعد وفاة والده السلطان محمد بن عبد الله، استمرت العلاقات الوثيقة بين البلدين. كانت الولايات المتحدة حريصة على تجديد معاهدة الصداقة، وعهد كاتب الدولة الأمريكي إدمون راندولف بمهمة التفاوض مع السلطان مولاي سليمان إلى الوزير المفوض لدى البرتغال، الكولونيل دافيد رامفري. في رسالة وجهها السلطان إلى الرئيس الأمريكي، أكد أن السلم والمهادنة بين البلدين ستستمر على نفس النهج الذي كان قائمًا في عهد والده، ما أدى إلى تعزيز هذه العلاقات.

العلاقات في العصر الحديث: دعم الاستقلال وتقارب استراتيجي

في فترة الحرب العالمية الثانية، واصل المغرب والولايات المتحدة تعزيز علاقاتهما. كان لقاء الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت بالسلطان محمد الخامس في مؤتمر الدار البيضاء عام 1943 من أبرز محطات هذا التعاون، حيث أعرب روزفلت عن دعمه لجهود السلطان في نيل الاستقلال من الاستعمار الفرنسي. تطورت العلاقات الشخصية والدبلوماسية بين البلدين في العقود التالية، وازدهرت خاصة مع الدعم الأمريكي لاستقلال المغرب في الخمسينيات.

وفي العصر الحديث، شهدت العلاقات بين البلدين تطورات مهمة، لا سيما في مجال مكافحة الإرهاب والتعاون الأمني. بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، أصبح المغرب شريكًا رئيسيًا للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، وتم تعزيز التعاون بين الجانبين في إطار المبادرات الدولية لتأمين منطقة الساحل والصحراء من التهديدات الإرهابية.

دعم الولايات المتحدة لمغربية الصحراء

في ديسمبر 2020، اتخذت العلاقات بين البلدين خطوة كبيرة، حيث أعلنت الولايات المتحدة اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. هذا الاعتراف جاء في إطار اتفاقيات سياسية وتجارية أكبر، وشمل افتتاح قنصلية أمريكية في مدينة الداخلة. هذا الدعم الأمريكي يعزز من مكانة المغرب كشريك استراتيجي للولايات المتحدة في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، ويعكس التزام الولايات المتحدة بدعم الحلول السلمية للنزاع في الصحراء من خلال مبادرة الحكم الذاتي المغربية.

التعاون العسكري والتكنولوجي

لم تقتصر العلاقات المغربية الأمريكية على الجوانب الدبلوماسية والتجارية فقط، بل امتدت لتشمل التعاون العسكري. تُعد المملكة المغربية شريكًا مهمًا للولايات المتحدة في مجال التدريب العسكري، حيث تشارك القوات المسلحة الملكية المغربية في تدريبات مشتركة مع نظيرتها الأمريكية، ما يساهم في تعزيز قدرات الجانبين على مواجهة التهديدات الأمنية المشتركة، خاصة في مناطق شمال إفريقيا والساحل.

العلاقات المستقبلية: نحو مزيد من التعاون

تتطلع الولايات المتحدة والمغرب إلى تعزيز علاقاتهما في المستقبل، خصوصًا في مجالات الاستثمار والتجارة. وتعتبر الرباط حلقة وصل رئيسية للاستثمارات الأمريكية في إفريقيا، وهو ما يعزز مكانة المغرب كلاعب إقليمي أساسي في تعزيز الاستقرار والتنمية الاقتصادية في القارة الإفريقية.

في الوقت ذاته، تواصل الولايات المتحدة دعم المغرب في القضايا الدولية والإقليمية، بما في ذلك الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. ومن جانبها، تستمر المملكة المغربية في لعب دور الوسيط الفاعل في العديد من النزاعات الدولية، وهو دور أشادت به الخارجية الأمريكية مرارًا.