الشبكة
EN
الرئيسيةالرئيسيةمن عبد الرزاق الناصري إلى يوسف العمراني .. سفراء المغرب في واشنطن يصنعون التاريخ

من عبد الرزاق الناصري إلى يوسف العمراني .. سفراء المغرب في واشنطن يصنعون التاريخ

"مجموعة صور تجمع سفراء المغرب في واشنطن عبر العقود، من عبد الرزاق الناصري إلى يوسف العمراني، يرفرف علم المغرب والولايات المتحدة في الخلفية، تعبيرًا عن العلاقات الدبلوماسية المتينة والتاريخية بين البلدين."
في زمن تتصارع فيه الإمبراطوريات الكبرى على خريطة النفوذ، اختار المغرب، ببصيرته التاريخية، أن يكون إلى جانب المبدأ لا المصلحة الضيقة. ففي العام 1777، وبينما لم تكن الولايات المتحدة قد خرجت بعد من جراح حربها الثورية ضد بريطانيا، بادر السلطان المغربي سيدي محمد بن عبد الله إلى الاعتراف بالدولة الناشئة، ليكون أول رئيس دولة يعترف رسميًا باستقلال أمريكا.
هذا الحدث، الذي يُعتبر من أقدم اللحظات الدبلوماسية في التاريخ الأمريكي، لم يكن مجرد لفتة سياسية، بل إعلان صريح عن فلسفة مغربية ترى أن العلاقات الدولية تُبنى على القيم قبل المصالح.

معاهدة فاس: أقدم اتفاقية صداقة في التاريخ الأمريكي

في عام 1786، وبعد مفاوضات دامت سنوات، وُقّعت معاهدة السلام والصداقة بين المغرب والولايات المتحدة، والتي لا تزال أقدم معاهدة صداقة سارية المفعول في التاريخ الدبلوماسي الأمريكي. لا يملك كثيرون العلم أن هذه المعاهدة تمت حين لم يكن لدى الولايات المتحدة حتى وزارة خارجية. وكان من بين الموقعين توماس باركلي، مبعوث جورج واشنطن، وأحد مؤسسي الدبلوماسية الأمريكية. وكان السلطان المغربي قد افتتح موانئه للسفن الأمريكية، مؤمناً لها الحماية في البحر المتوسط، وهو موقف ذو أهمية استراتيجية في ذلك الوقت.
تُعد هذه المعاهدة اللبنة الأولى التي بني عليها تواصل رسمي طويل الأمد بين المغرب والولايات المتحدة، ما أدى إلى تأسيس الدبلوماسية المغربية في واشنطن عبر أجيال من السفراء الذين تركوا بصماتهم في تعزيز العلاقات الثنائية.

وجوه صنعت الدبلوماسية المغربية في واشنطن عبر التاريخ

منذ تأسيس أول تمثيل رسمي، مرّ العديد من السفراء المغاربة الذين لعبوا دورًا حيويًا في بناء وتعزيز العلاقات بين الرباط وواشنطن، منهم:
•عبد الرزاق الناصري (1961–1964): أحد أوائل السفراء في الحقبة الحديثة، ساهم في ترسيخ العلاقات الدبلوماسية بعد استقلال المغرب.
•أحمد الطيب بنهيمة (1964–1966): تكليف مهم لتوطيد العلاقات التي تعود جذورها إلى معاهدة فاس، ودعم التنسيق السياسي والاقتصادي.
•عبد الكبير العلوي المدغري (1970–1973): عمل على تعميق التعاون بين البلدين في المجالات السياسية والثقافية.
•عبد الهادي بوطالب (1973–1976): دعم العلاقات الثنائية في فترة كانت فيها التحديات الدولية تتطلب دبلوماسية نشطة.
•عبد المجيد بن جلون (1976–1982): شهد عهده فترة توسع في العلاقات الاقتصادية والاستثمارية.
•أحمد السنوسي (1982–1985): عزز التعاون في المجال الأمني والسياسي.
•زهير مهدي (1985–1993): عمل على تقوية الروابط الثقافية والتعليمية.
•فوزي السمار (1994–1999): لعب دورًا في دفع العلاقات الاقتصادية قدماً خلال فترة التحولات العالمية.
•عزيز مكوار (2002–2011): ساهم بشكل بارز في الترويج للاتفاق الحر بين المغرب والولايات المتحدة عام 2006، ما أدى إلى مضاعفة الاستثمارات الأمريكية في المغرب وتعزيز الشراكة الاقتصادية والسياسية.
•رشاد بوهلال (2011–2016): تميز بفتح قنوات مع مؤسسات بحثية وسياسية نافذة، وساهم في تعزيز صورة المغرب داخل أروقة الكونغرس الأمريكي، مما دعم القضايا الوطنية المغربية.
•للا جمالة العلوي (2016–2021): أول امرأة تشغل منصب سفيرة المغرب في واشنطن، تميزت بمجهوداتها الكبيرة في تعزيز العلاقات الثقافية والسياسية والاقتصادية، وكانت صوتاً دبلوماسياً قوياً للمغرب في الولايات المتحدة، ورفعت من مستوى التعاون في عدة مجالات شملت الطاقة والتعليم والتنمية.

السفير الحالي: يوسف العمراني

يأتي السفير يوسف العمراني في طليعة الجيل الجديد من الدبلوماسيين المغاربة في واشنطن، محملاً بخبرة دبلوماسية رفيعة ومستوى عالٍ من الاحترافية. منذ توليه منصبه، ركز على تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والولايات المتحدة في مجالات عدة، منها:
•الأمن ومكافحة الإرهاب، حيث عمل على تنسيق الجهود المشتركة لمواجهة التهديدات الإقليمية والعالمية.
•الطاقة النظيفة، مع تشجيع مشاريع مشتركة في الطاقات المتجددة، بما يعكس التزام المغرب بالتحول نحو اقتصاد أخضر.
•التحول الرقمي والابتكار، إذ حرص على فتح قنوات التعاون بين المؤسسات الأكاديمية وشركات التكنولوجيا في كلا البلدين.
•التعليم العالي والبحث العلمي، حيث دعم البرامج المشتركة والتبادل الطلابي بين الجامعات المغربية والأمريكية.
يوسف العمراني لا يقتصر دوره على العلاقات الحكومية فحسب، بل يعتبر جسرًا بين المجتمعات المدنية، ويعمل على تسليط الضوء على الجالية المغربية في الولايات المتحدة كقوة ناعمة تسهم في تعزيز روابط الثقافة والهوية المشتركة. في عهده، توسعت آفاق التعاون ليشمل مجالات متعددة ترتقي بالعلاقة إلى مستوى الشراكة الحقيقية القائمة على الثقة والاحترام المتبادل.

المغاربة الأمريكيون: دبلوماسية ناعمة تنمو في الظل

إلى جانب السفراء الرسميين، هناك جيل جديد من المغاربة الأمريكيين الذين يمارسون دبلوماسية نوعية من خلال العلم، الإعلام، والمجتمع المدني، ويعملون كجسور ثقافية وإنسانية تعزز الفهم المتبادل بين البلدين.

من التحالف إلى الشراكة الاستراتيجية

لم تعد العلاقة المغربية الأمريكية مجرد صداقة تاريخية، بل أصبحت اليوم شراكة استراتيجية تشمل ملفات الأمن، محاربة الإرهاب، الطاقة النظيفة، والتعليم العالي.
وفي عالم سريع التغير، تظل الرباط وواشنطن على تواصل مستمر، قائم على احترام السيادة وتلاقي المصالح والرؤى المستقبلية
قصة المغرب والولايات المتحدة ليست مجرد أول اعتراف، بل درس في الدبلوماسية الحقيقية التي تبنى على الثقة. المغرب، عبر سفرائه وأبنائه في الولايات المتحدة، يثبت يوماً بعد يوم أن اليد التي تمدّها في لحظة ضعف تستحق أن تُمسك بها في وقت القوة.