رحيل مؤرخ المملكة عبد الحق المريني: ذاكرة القصر وصوت التاريخ المغربي

فقد المغرب يوم الإثنين 2 يونيو 2025 أحد أبرز رجالاته في الفكر والتاريخ والدولة، برحيل عبد الحق المريني، مؤرخ المملكة والناطق الرسمي السابق باسم القصر الملكي، عن عمر ناهز 91 عامًا. برحيله، يطوى فصل حافل من فصول التاريخ المغربي المعاصر، حيث شكّل المريني لأكثر من نصف قرن شاهدًا وراويًا وموثقًا لمرحلة مفصلية في تاريخ الدولة.
رجل الدولة والظل
لم يكن عبد الحق المريني مجرد موظف سامٍ في وزارة القصور والتشريفات، بل كان مستشارًا ثقافيًا بصمت العارف، ومؤرخًا رسميًا بصوت العقل الهادئ. في خضم اللحظات الكبرى التي عرفتها المملكة، من تحولات العهد الجديد إلى مرافئ التحديث السياسي والدستوري، كان صوته حاضرًا في البلاغات الملكية، ونبرته تحمل هيبة المخاطِب باسم الدولة.
عينه الراحل الحسن الثاني شابًا في دائرة التشريفات الملكية، ثم واصل مسيرته في عهد الملك محمد السادس، حيث تولى مهمة مؤرخ المملكة سنة 2010، ثم ناطقًا رسميًا باسم القصر سنة 2012، وهو منصب ظل يشغله حتى السنوات الأخيرة، عندما بدأ ينسحب بهدوء بسبب تقدمه في السن.
كاتب الدولة الصامت… وباحثها اليقظ
رغم انشغالاته الرسمية، حافظ المريني على وفائه للبحث الأكاديمي. خلف وراءه رصيدًا غنيًا من المؤلفات التي شكلت مرجعًا في تاريخ المغرب العسكري والسياسي والثقافي، ومن أبرز أعماله:
•“الجيش المغربي عبر التاريخ”، كتاب نال به جائزة المغرب للكتاب سنة 1968، واعتُبر مرجعًا فريدًا في رصد تطور المؤسسة العسكرية منذ العهد المرابطي إلى ما بعد الاستقلال.
•“شعر الجهاد في الأدب المغربي”، أطروحته الجامعية التي حولها إلى مرجع شامل في الأدب المقاوم.
•أعمال أخرى تناولت رموز الدولة، ودليلًا موسوعيًا عن المرأة المغربية، إلى جانب مقالات دقيقة نشرت في مجلات علمية وصحف وطنية وعربية.
ما ميّز كتاباته هو الحس الوطني العالي، والدقة المنهجية، والبعد التربوي، ما جعله يحظى بتقدير كبار الأكاديميين في الداخل والخارج.
ذاكرة حية للقصور الملكية
عرف عن عبد الحق المريني ولاءه الهادئ للعرش، وتمسكه بثوابت الدولة دون صخب. لم يكن صوتًا دعائيًا، بل ذاكرة واعية بتفاصيل المراسيم الملكية، وراصدًا للتحولات الدستورية والسياسية من داخل المؤسسات السيادية. وكان يُحسن الإمساك بخيوط التوازن بين السلطة والثقافة، بين الرسمي والرمزي.
بصمة لا تُنسى
حصل المريني على عدة أوسمة وجوائز من داخل المغرب وخارجه، من ضمنها وسام العرش ووسام الاستحقاق المدني الإسباني، وهو تكريم لمكانته كمثقف رسمي مثّل الدولة المغربية بأناقة فكرية وهدوء لغوي.
برحيله، يفقد المغرب مؤرخًا للمملكة،وشاهدًا نادرًا على تقاليدها المخزنية، ورجلًا حافظا لذاكرة الدولة وهويتها في آ”ن واحد .سيبقى عبد الحق المريني حاضرًا، ليس فقط في أرشيف القصر، بل ايضا ستذكره أجيال من الباحثين الذين سيقرأون كتبه ، ويكتبون التاريخ من بعده.
ننصح بقراءة هذا المقال: محمد ياسين المنصوري: مهندس الظل في معادلة الأمن المغربي
Comments 0