“توري باتشيكو”.. حين تحولت حادثة معزولة إلى وقود حرب لليمين المتطرف على المهاجرين وبيدرو سانشيز

عاشت بلدية ”توري باتشيكو“ بمقاطعة مورسيا جنوب إسبانيا أربعة أيام صعبة (يوليوز 2025) من غضب شعبي وعنف غير مبرر من طرف أتباع حزب فوكس اليميني المتطرف على خلفية اعتداء بعض الشباب من أصل مغربي على رجل متقاعد 68 سنة… وهو فعل مرفوض تماما ويستوجب فتح تحقيق قضائي وعقوبات قانونية رادعة.. لكن الذي عشناه هو فتح تحقيقات إعلامية ومتابعات مشحونة بالكراهية والعنصرية من طرف إعلام اليمين المتطرف وشبكاته ومدونيه على مواقع التواصل الاجتماعي… حتى أن بعض قنوات الإعلام الإسباني أقرت بأن العديد من المواد الإعلامية لم تكن حقيقية وبعضها قديم… وتزييف الواقع هو أحد براءات الاختراع لدى اليمين المتطرف… لكن هناك ضرورة التذكير بتنظيم عمدة توري باتشيكو (من الحزب الشعبي اليميني) مسيرة احتحاجية أولا… وانضمام عناصر اليمين المتطرف (حزب فوكس) من مدن قريبة كألميريا وأليكانتي ثانيا… لتأجيج العنف في الشارع والبلطجة وإحراق محلات وسيارات المهاجرين من أصول مغربية…
وهي تفاصيل تجعلنا نعيد سؤال اليمين المتطرف والهجرة على طاولة النقاش ونعري عن صراع إيديولوجي وسياسي قوي بين تيار اليمين المتطرف من جهة، وتيار العيش المشترك ومجتمعات متعددة الثقافات والديانات من جهة ثانية…
إذ بدت العديد من حلقات حادثة توري باتشيكو وكأنها مبرمجة على إنعاش ذات الصراع العنصري ضد الأجانب والمغلف بالمحافظة على الثقافة الأوروبية وعلى البنية الديمغرافية الأوروبية…
وكتحصيل حاصل، فإنه يمكننا القول بأن المقصود بالاستثمار السياسي والإعلامي لحادثة “توري باتشيكو” هو إسقاط حكومة بيدرو سانشيز وإعلان انتخابات تشريعية… وأنها فقط إحدى جولات الصراع منذ سنة 2018 وما عرفته هذه المدة من انتخابات تشريعية عادية وأخرى مبكرة فاز بها بيدرو سانشيز… وأرغم خصومه على السقوط من كراسي قيادة أحزابهم…
وإذا أخذت أحزاب اليمين واليمين المتطرف من الهجرة “تيمة سياسية” وبرنامج انتخابي وشيطنت المهاجرين ودعت للتضييق عليهم بل نادى مؤخرا حزب فوكس بطرد جماعي لثمانية ملايين مهاجر..
فإن بيدرو سانشيز أعلن سياسة الباب المفتوح وسهل قوانين تسوية الوضعية القانونية للمهاجرين عكس بعض الدول الأوروبية.. بل أعلن منذ مدة قصيرة عن قانون تسوية وضعية حوالي 500 ألف مهاجر… وجعل من الهجرة والطاقة النظيفة حصانه الرابح..
فأحداث بلدة “توري باتشيكو” هي فقط الشجرة التي تخفي غابة اليمين المتطرف العنصري.. الذي استعان بخدمات أبناك من هنغاريا لتمويل حملاته الانتخابية في خرق واضح لمنع تلقي أحزاب إسبانية لأموال خارجية… واستعان بالإعلام العنصري وقنوات التواصل الاجتماعي لتوقيف قطار حكومة بيدرو سانشيز، بدون خطوط حمراء وبدون سقف أخلاقي..
لم يهمل سانتياغو أباسكال ورقة الفساد واستغلال النفوذ والانزلاقات الفردية.. فحرك بذلك الآلة الإعلامية لليمين المتطرف بعد فضيحة Santos cerdan وهو أحد المقربين لبيدرو شانشيز في يونيو الماضي على خلفية فساد إداري ورشاوي مليونية اضطر معها Santos لتقديم استقالته… وظهر سانشيز في فيديو يعتذر للمواطنين ويعد بفتح تحقيق في مالية الحزب…
فالحديث عن اليمين المتطرف الإسباني فوكس لا يستوي دون الحديث عن تكتل أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا.. سواء في إيطاليا أو النمسا أو هنغاريا أو غيرها… وسعيهم للتنسيق في مجال الهجرة واللجوء داخل مؤسسات القرار الأوروبي…
لذلك فالمعركة بالنسبة لهم هي وجودية ومرهونة بتراكم أخطاء فردية أو تقديرات سياسات عمومية خاطئة من طرف الخصوم، من أجل تحقيق امتدادات داخل مجتمعاتهم وكسب المزيد من التأييد الانتخابي…
لكن لغة الأرقام تقول شيء آخر.. فقد حققت حكومة بيدرو سانشيز نتائج غير مسبوقة على مستوى انخفاض معدلات البطالة من 11.8 إلى 10.6 سنة 2024.. وأصبحت أحد أكثر الاقتصادات تقدما حتى أن مجلة ليكونوميست البريطانية اختارت اسبانيا “اقتصاد السنة” لسنة 2024.. وهي نتيجة اختيارات حكومية خاصة وأن سانشيز قال بأن “إسبانيا عليها أن تختار بين أن تكون بلد منفتح ومتقدم، أو بلد منغلق وفقير”..
لذلك تم رصد أنه من بين 468 ألف منصب شغل جديد سنة 2024 فقد شكل فيها المهاجرين حوالي 85% في مجالات الفلاحة والبناء والخدمات.. من جهته صرح “بنك إسبانيا” بأن المهاجرين ساهموا بنسبة 20% من الناتج الداخلي… وأن إسبانيا تخطط لاحتضان 25 مليون مهاجر جديد داخل 30 سنة القادمة… حكومة بيدرو سانشيز حققت رقم 96 مليون سائح سنة 2024 بارتفاع 10% عن سنة 2023 الذين تركوا 126 مليار في الصناديق الإسبانية… وبلا شك فإن المهاجرين لهم مساهماتهم في هذا الإنجاز أيضا… الإنجاز العظيم الآخر له علاقة بالانتقال الطاقي وسياسات حكومة سانشيز في مجال حقول الطاقة الشمسية حيث استطاعت إسبانيا سنة 2024 إنتاج حوالي 56% من احتياجاتها الداخلية من الطاقة والكهرباء وهو ما كان في صالح الأسر والشركات…
يبدو من خلال هذه الإطلالة البسيطة على بعض عناصر القوة في سياسات الانفتاح على الهجرة والمهاجرين لحكومة سانشيز… والمكاسب الاقتصادية والديمغرافية والاجتماعية… أن اليمين المتطرف الإسباني ليس له تصور اقتصادي أو مشروع مجتمعي بعيدا عن الهجرة واللجوء والحدود السيادية…
وكل هذا يؤكد بالملموس فوز سانشيز في كل التشريعيات…
وهو العجز الذي يدفع فوكس إلى تبني خطابات الكراهية والعنصرية والعداء للمهاجرين… بعد حادث “توري باتشيكو” مثلا تلك البلدة التي تضم 40 ألف نسمة و32% منهم مهاجرون يشتغلون في أعمال الفلاحة وتحت الشمس الحارقة وداخل البيوت البلاستيكية…
اليوم عندما نشاهد العديد من الفيديوهات حول أعمال عنف وشغب مفرط من طرف بلطجية حزب فوكس… نستحضر الفيلم الأمريكي “يوم بدون مكسيكيين” ونتسائل بدورنا ماذا لو… لم يشتغل المهاجرين المغاربة في حقول توري باتشيكو ومورسيا وغيرها…؟
نعتقد أن المطلوب من كل هذا الضجيج الإعلامي المنظم هو اليساري بيدرو سانشيز… وشخصيته القوية واختياراته على مستوى أوروبا وبؤر الصراع في العالم…
Comments 0