الشبكة
EN
الرئيسيةالرئيسيةالمملكة المغربية و الاستقلال الأمريكي: قصة الاعتراف والتعاون في القرن الثامن عشر

المملكة المغربية و الاستقلال الأمريكي: قصة الاعتراف والتعاون في القرن الثامن عشر

في عام 1777، خطا المغرب خطوة تاريخية جعلته أول دولة تعترف رسميًا باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية. هذا الحدث يُعد نقطة انطلاق لعلاقة دبلوماسية فريدة بين البلدين، تمتد جذورها إلى قرون مضت ولا تزال تنبض حتى يومنا هذا.

كانت الولايات المتحدة آنذاك دولة تسعى إلى تثبيت استقلالها عن بريطانيا، وهو تحدٍّ كبير في عالم تهيمن فيه الإمبراطوريات الكبرى. بينما كانت القوى الأوروبية مترددة في الاعتراف بالدولة الجديدة، بادر المغرب تحت حكم السلطان محمد الثالث إلى اتخاذ موقف جريء يعكس رؤية بعيدة المدى. في 20 ديسمبر 1777، أصدر السلطان مرسومًا يعترف فيه رسميًا بالولايات المتحدة، فاتحًا بذلك موانئ المغرب أمام السفن الأمريكية.

شكل هذا الاعتراف دفعة معنوية هائلة للولايات المتحدة، التي كانت بحاجة إلى حلفاء دوليين لتثبيت مكانتها في العالم. كما ساعد الاعتراف على ضمان سلامة السفن التجارية الأمريكية التي كانت تُبحر في مياه البحر المتوسط والأطلسي، بعيدًا عن تهديدات القرصنة البحرية التي كانت منتشرة في ذلك الوقت.

بعد سنوات قليلة، تم توقيع معاهدة السلام والصداقة المغربية الأمريكية في عام 1786. هذه المعاهدة تُعتبر واحدة من أقدم المعاهدات التي لا تزال سارية بين الولايات المتحدة وأي دولة أخرى. وقد نصت المعاهدة على مبادئ أساسية، منها حماية السفن التجارية لكلا الطرفين، تعزيز التبادل التجاري والاقتصادي، وتقديم الدعم الدبلوماسي والعسكري في حال تعرض أي من الطرفين لاعتداء خارجي.

لم يكن اعتراف المغرب بالولايات المتحدة مجرد خطوة رمزية، بل شكل قاعدة لبناء علاقة متميزة على مدار السنوات. القنصلية الأمريكية التي افتُتحت في طنجة عام 1821 تُعد أقدم منشأة دبلوماسية أمريكية في العالم، وهي اليوم رمز للعلاقة العريقة التي بدأت بهذا الاعتراف.

اعتراف المغرب بالولايات المتحدة الأمريكية في عام 1777 ليس مجرد محطة تاريخية، بل هو رمز للعلاقات الثنائية التي تتسم بالتعاون والصداقة. هذه العلاقات شهدت تطورًا كبيرًا على مدار القرون، من توقيع معاهدات التجارة والصداقة إلى التعاون الاستراتيجي في القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية. قصة هذا الاعتراف تظل درسًا خالدًا في كيفية بناء الجسور بين الأمم وتجاوز حدود الجغرافيا والسياسة.