الشبكة
EN
الرئيسيةالرئيسيةالقفطان المغربي… تراثٌ نابض وهوية تتجدّد

القفطان المغربي… تراثٌ نابض وهوية تتجدّد

القفطان المغربي كتراث ثقافي غير مادي مقدم إلى اليونسكو

في أبريل 2025، أودع المغرب ملفًا رسميًا لدى منظمة اليونسكو لتسجيل القفطان المغربي ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية.
لم تكن هذه المبادرة مجرد طلب بروتوكولي، بل لحظة تفاعل بين تاريخ حي ورؤية استشرافية تسعى إلى تثبيت القفطان في موقعه الطبيعي: رمزًا لهوية مغربية عابرة للحدود، وغنية بالتعدد، ومعترف بها دوليًا.

القفطان المغربي ليس مجرد لباس. إنه لغة مرئية تنطق بتاريخ المغرب، من فاس العالمة إلى مراكش الساحرة، ومن طنجة المتفتحة إلى وجدة العريقة.
تحمله المرأة المغربية على كتف الفرح، وتختار تطريزه بعناية، كأنها تنسج فيه سيرة ذاتية مختصرة: عن العائلة، عن الأصل، عن الذوق، وعن الحنين.
ولا يزال هذا الزي يواصل حضوره بقوة، ليس فقط في المناسبات الكبرى، بل في الوعي الجماعي وفي اختيارات الجالية المغربية بالخارج التي تراه علامة انتماء وامتداد.

الخطوة المغربية نحو اليونسكو ليست لإثبات ما هو ثابت، بل لتكريس ما يعرفه المغاربة والعالم منذ زمن: أن القفطان موروث له أصالة واستمرارية، يجمع بين البعد الجمالي والعمق التاريخي، ويجسد تفردًا ثقافيًا لا يشبه إلا نفسه.
اليونسكو، باعتبارها هيئة أممية تحتفي بالتنوع الثقافي، تشكل منصة مثالية لتسليط الضوء على هذا التراث، ودعمه ضمن رؤية دولية تُثمن الموروثات اللامادية كقوة ناعمة تقرب بين الشعوب.

القفطان المغربي عرفه العالم منذ عقود، وظهر على منصات عروض عالمية، وارتدته شخصيات بارزة، مغربية وأجنبية، في لحظات احتفال رمزية.
لكن ما يميز اللحظة الراهنة هو أن الدولة المغربية، بمؤسساتها الثقافية والرسمية، اختارت أن ترافق هذا الحضور الرمزي بخطوة توثيقية شاملة، تعترف بالصناع، وبالمصممين، وبالموروث الحرفي الذي يُبقي القفطان حيًّا.

لا يتعلق الأمر بالخوف على القفطان، فهو راسخ، محبوب، ومتجدد. بل السؤال الأهم اليوم هو: كيف يمكن أن نحمي البيئة التي ينتعش فيها؟ كيف نساند الحرفيين الذين يحملون أسراره؟ وكيف نحكي قصته للأجيال الجديدة بلغة اليوم، دون أن نفرغه من عمقه؟

في بيوت المغاربة حول العالم، لا يزال القفطان يحتفظ بمكانته. ترتديه الأمهات في حفلات الزفاف، وتحكي عنه الجدّات كما لو كنّ يروين قصيدة، ويقف الأطفال أمامه بإعجاب فطري.
إنه ليس فقط لباسًا تقليديًا، بل ذاكرة تمشي على الأرض، وفن يُمارس بكل حب، وحضور ينقل المغرب من غرفة العائلة إلى خشبة العالم.

طلب المغرب من اليونسكو ليس تأسيسًا لقيمة القفطان، بل تأكيد على قيمته المتجذرة، وإسهام في إضاءة هذا الإرث على مسرح دولي واسع.
القفطان، كما هو، لا يحتاج إلى إعادة اعتبار لأن اعتباره محفوظ في قلب المجتمع المغربي. ما يحتاجه فقط هو أن نحافظ على مساراته نابضة، وأن نصغي لحكايته، ونحملها بثقة نحو المستقبل.