رحلة من الاعتراف المبكر إلى التعاون الدبلوماسي المتواصل بين المغرب وأمريكا

تعد العلاقات بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية من أقدم العلاقات الدبلوماسية في العالم. بدأ هذا الارتباط عندما أصبح المغرب أول دولة تعترف بالولايات المتحدة كدولة مستقلة في عام 1777، خلال مرحلة كان يعاني فيها الأمريكيون من حصار اقتصادي وسياسي بعد استقلالهم عن بريطانيا. هذا الاعتراف لم يكن مجرد خطوة رمزية، بل شكل أساساً متيناً لعلاقات استمرت وتطورت عبر القرون.
الاعتراف المغربي بالولايات المتحدة ومعاهدة الصداقة 1786
في 23 يونيو 1786، تم توقيع معاهدة سلام وصداقة بين الولايات المتحدة والمغرب، ووقعها من الجانب الأمريكي الوزير توماس باركلاي ومن الجانب المغربي السلطان سيدي محمد بن عبد الله في مراكش. تعتبر هذه المعاهدة من أقدم المعاهدات الدبلوماسية الأمريكية التي لا تزال سارية المفعول حتى اليوم، وهي ترمز إلى البداية التاريخية للعلاقات بين البلدين والتي تميزت بالاحترام المتبادل والتعاون المشترك.
المغرب تحت الحماية الفرنسية والإسبانية 1912-1956
في عام 1912، دخل المغرب مرحلة جديدة من تاريخه بعد أن أصبح تحت الحماية الفرنسية، مع سيطرة إسبانية على مناطق معينة، من بينها طنجة. رغم هذا التغيير في الوضع السياسي، رفضت الولايات المتحدة الاعتراف بهذه الحمايات في البداية، متمسكة بعلاقاتها المباشرة مع الحكومة المغربية. ومع دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولى عام 1917، قامت بتغيير موقفها الرسمي، حيث أرسل وزير الخارجية الأمريكي روبرت لانسينغ رسالة اعتراف بالحماية إلى السفير الفرنسي في واشنطن، مما جعل التمثيل الأمريكي في المغرب ينخفض إلى درجة وكيل دبلوماسي.
اعتراف الولايات المتحدة باستقلال المغرب 1956
بعد نضال طويل من أجل الاستقلال، حصل المغرب على استقلاله من فرنسا وإسبانيا في عام 1956. وفي 7 مارس 1956، أعلنت الولايات المتحدة اعترافها باستقلال المغرب بشكل رسمي. وعلى إثر ذلك، تمت إعادة رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي الأمريكي، وتم إنشاء السفارة الأمريكية في الرباط في 11 يونيو 1956. وبهذا الحدث التاريخي، قدم السفير الأمريكي ويليام ج. بورتر أوراق اعتماده، فيما كان كافنديش كانون أول سفير أمريكي في المغرب.
تأسيس القنصليات الأمريكية في المغرب
بدأ التمثيل القنصلي الأمريكي في المغرب منذ وقت مبكر جداً، حيث تم تعيين جيمس سيمبسون كأول قنصل أمريكي في المغرب عام 1797. بعد وصوله إلى طنجة، أسس القنصلية الأمريكية التي ظلت تعمل لعدة عقود. وفي عام 1821، أهدى السلطان مولاي سليمان مبنى للقنصلية الأمريكية ليصبح أول عقار تملكه الولايات المتحدة خارج أراضيها، وهو اليوم معهد طنجة الأمريكي للدراسات المغربية (TALIM)، الذي يُعد رمزًا للتاريخ الثقافي والدبلوماسي الأمريكي في المغرب.
تأسست قنصليات أخرى في مدن مغربية مختلفة، من بينها الصويرة، والعرائش، وأصيلة، وتطوان، والدار البيضاء، والرباط. مع تطور العلاقات بين البلدين، كانت هذه القنصليات شاهدة على توثيق الروابط التجارية والثقافية بين المغرب والولايات المتحدة. وتعد قنصلية الدار البيضاء اليوم القنصلية الأمريكية الوحيدة التي لا تزال تعمل منذ تأسيسها.
تطور العلاقات الدبلوماسية
بدأت العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين الولايات المتحدة والمغرب على مستوى المفوضية في طنجة عام 1905، مع تعيين صموئيل غامير كأول وزير أمريكي مفوض لدى المغرب. وقد تطورت هذه العلاقة على مر السنين، حيث لعبت طنجة دورًا مهمًا كمركز دبلوماسي دولي حتى بعد أن أصبحت مدينة دولية بحكم وضعها الخاص. وفي عام 1956، وبعد استقلال المغرب، تم رفع مستوى المفوضية إلى سفارة في العاصمة الرباط.
معهد طنجة الأمريكي للدراسات المغربية (TALIM)
يُعتبر معهد طنجة الأمريكي للدراسات المغربية، الواقع في المبنى التاريخي الذي كان مقراً للقنصلية الأمريكية، مؤسسة ثقافية وبحثية مهمة. المعهد يحتفظ بأرشيف مهم يشمل وثائق تاريخية ولوحات فنية وخرائط، ويعد مركزًا للدراسات حول المغرب والعلاقات الأمريكية المغربية. من ضمن أبرز معروضاته جناح مخصص للكاتب الأمريكي بول بولز، الذي عاش في طنجة وتأثر بثقافتها.
العلاقات المغربية الأمريكية اليوم
اليوم، تعكس العلاقات بين الولايات المتحدة والمغرب الشراكة العميقة التي تطورت عبر القرون، حيث يمتد التعاون بين البلدين إلى مجالات الأمن، التعليم، الاقتصاد، والتنمية الاجتماعية. تدعم الولايات المتحدة المغرب في عدة برامج للتنمية المستدامة، بينما يُعتبر المغرب شريكًا استراتيجيًا للولايات المتحدة في شمال إفريقيا.
إن تاريخ العلاقات بين المغرب والولايات المتحدة يمثل قصة من الاحترام المتبادل والتعاون المستمر، ويعد مثالاً للعلاقات الدبلوماسية الناجحة التي تخدم مصلحة الشعبين.

Comments 0